في عالم يشعر فيه الأطفال بالانعزالية عن الأسرة والأصدقاء حيث تتغير المعايير الاجتماعية بسرعة وتقتصر القدوات على الفنانين والرياضيين الذين في أغلبهم يظهرون سلوكيات غير مقبولة يشعر المربون والمعلمون بحاجة إلى تطوير المهارات الاجتماعية والانفعالية.
وانطلاقاً من دورها الإنساني والتربوي والاجتماعي أولت الكويت اهتماماً كبيراً بشريحة ذوي الإعاقة من خلال دمجهم تعليمياً ومجتمعياً ودعمهم تربوياً ونفسياً وسلوكياً ولعل هذا ما تجسد في تطبيقها المشروع الوطني التربوي «أصدقاء لبيب» لتحتل بذلك المرتبة الأولى خليجياً والثانية عربياً بعد الأردن في تطبيق البرنامج على أرض الواقع.
القبس التقت الباحثة التربوية في مجال الإعاقة ومديرة برنامج أصدقاء لبيب العالمي للذكاء الانفعالي د. أحلام العجمي وهي أيضاً مؤسسة ومالكة شركة كوبينغ غير الربحية حيث شددت على أهمية تطوير المهارات الانفعالية والاجتماعية ومهارات التكيف عند الأطفال في سن مبكرة لمساعدتهم على مواجهة التحديات والصعوبات التي يلاقونها في مراحل البلوغ والمراهقة والرشد.



أكدت الباحثة التربوية في مجال الإعاقة مديرة برنامج أصدقاء لبيب العالمي للذكاء الانفعالي د. أحلام العجمي أن الذكاء الانفعالي يرتبط بشكل قوي بالإنجاز الأكاديمي ويساعد الطلبة على التعامل مع التعقيدات والضغوط التي تعيق تقدمهم لافتة إلى أن الطلبة الأذكياء انفعالياً أكثر حباً للمدرسة وأكثر استقراراً وميلاً إلى استكمال دراستهم كما أنهم أكثر بعداً عن فكرة ترك التعليم المدرسي.
وبيّنت العجمي لـ القبس أن الكثير من المشاكل السلوكية والعنف والإحباط التي نراها في مجتمعنا الخليجي والعربي مردّ أكثرها إلى قصور اليافعين والشباب عن إدارة الانفعالات كالغضب والقلق والخوف وعدم قدرتهم على التكيف مع المواقف المسببة لتلك الانفعالات الصعبة بطرق إيجابية.
وأضافت أن إكساب هؤلاء مهارات التعّرف على الانفعالات وتنظيمها وإدارتها في سن صغيرة سيحصنهم ويجعلهم أكثر قدرة واستعداداً للمواقف الحياتية.




وأوضحت العجمي أن تطوير المهارات الانفعالية والاجتماعية لا يقل أهمية عن التعليم الأكاديمي بل هو عامل أساسي في تحقيق النجاح على المستوى الشخصي والوظيفي مشددة على أن الدراسات التربوية الحديثة تشير إلى أن تطوير الذكاء الانفعالي والمهارات الاجتماعية لدى الطلبة هو أحد الحلول المهمة لتجاوز محددات التعلّم والوصول إلى إصلاح العملية التعليمية التعلّمية وأن تبني المدرسة لبرامج تدعم هذا الجانب سيشجع إنجاز أبنائنا في الحاضر وسيضمن لهم النجاح في المستقبل.
وقالت ان الدراسات والأبحاث في المجال أوضحت الدور الذي يمكن لتعليم المهارات الاجتماعية والانفعالية أن يلعبه في تقليص وتراجع السلوكات غير المرغوبة والتسرب المدرسي ومشكلات الانضباط وتدني مستوى القدرات الاجتماعية والغياب المتكرر وعدم رضا الطلبة وتذمرهم وتحسين وتطوير الأداء الأكاديمي.




وبالحديث عن «أصدقاء لبيب» أشارت العجمي إلى انه برنامج تربوي عالمي فريد صممته جمعية نفع عام بريطانية غير ربحية مقرها لندن واستفاد منه حتى الآن أكثر من مليون طفل ويطبق البرنامج في 35 دولة وتم ترجمة مواده إلى 21 لغة.
وعن تجربة الكويت في تطبيق البرنامج لفتت إلى أنه حقق نتائج ناجحة في البلاد خلال 3 سنوات حيث تم تدريب 30 معلمة ومعلماً واستفاد منه نحو 150 طالباً وطالبة منهم 100 طفل من غير ذوي الإعاقة و50 من المعاقين كما تم تنظيم 10 ورش تدريبية لأولياء الأمور عليه.
وذكرت أن البرنامج مبني على العديد من الأبحاث والدراسات التي أكدت أن قدرة ومهارة الأطفال واليافعين والراشدين الشباب في التعامل مع المشكلات مرتبطة بالمهارات الانفعالية والاجتماعية التي يمتلكونها مبينة أن البرنامج يطور المهارات الانفعالية والاجتماعية عند الأطفال الطبيعيين في عمر 4 – 8 سنوات لإعدادهم للحياة وفي سن 6 – 17 بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم.
وأضافت أن للأطفال من ذوي الإعاقات المتوسطة (التوحد متلازمة الداون والتخلف العقلي المتوسط) نصيباً في البرنامج حيث صممت أنشطة خاصة بهم تهدف إلى تطوير مهاراتهم ودعم قدرتهم على التكيف وأشرفت جامعة ببرمنغهام على تجربة وتقييم البرنامج في مراكز خاصة بهذه الفئة كما أكدت النتائج فعالية تطبيق البرنامج على أطفال هذه الفئة خصوصاً في جانب الوعي بالذات والقدرة على تنظيم الانفعالات ومهارات التواصل وبناء العلاقات.




وأوضحت أن البرنامج يدعم مهارات اللغة عند الأطفال من خلال استماعهم للقصص وتشجيعهم على التعبير والحديث عن المواقف التي يواجهونها ومشاعرهم تجاهها مما ينعكس بدوره على مهاراتهم القرائية والاستيعابية ويزيد من حصيلتهم اللغوية كما يسهم في تحسين بيئة العمل المدرسي وتطوير قدرة الأطفال على بناء صداقات وحل النزاعات والخلافات فضلا عن مساعدتهم في تطوير استراتيجيات مختلفة في التكيف والتعامل مع المواقف الحياتية.
وحول آلية التطبيق أفادت العجمي بأن البرنامج يطبق عادة خلال 24 أسبوعا من خلال حصة صفية اسبوعية تمتد لـ 45 دقيقة وفي بداية كل حصة تقرأ المعلمة جزءا من القصة ومن ثم يتشارك الأطفال وينفذون أنشطة متنوعة مثل الرسم والمناقشة ولعب الأدوار والاستماع للقصص واللعب.
ولفتت إلى أن الهدف من هذه الأنشطة هو مساعدة الأطفال على استكشاف وفهم مشاعرهم وسلوكياتهم وقالت ان البرنامج طبق مؤخراً خارج إطار المدرسة كدورات تدريبية خاصة للأطفال وحصد نجاحا كبيرا.





سلطت د.أحلام العجمي الضوء على الفوائد التي حققها البرنامج للطلبة والمعلمات مشيرة إلى أن استبانة استهدفت 309 معلمات في ست دول طبق فيها البرنامج أظهرت ما يلي:


%80 وافقن على أن البرنامج طوّر المناخ الصفي إيجابيا.


%95 وافقن على أن البرنامج ساعدهن على التقرب أكثر إلى أطفالهن.


%89 شعرن بأنهن أصبحن معلمات أفضل.





تحدثت د.أحلام العجمي عن مفهوم الذكاء الانفعالي أو الوجداني أو العاطفي وهو قدرة الفرد على توظيف مشاعره بطريقة فعّالة ومنتجة مشيرة إلى أن نتائج الأبحاث الأولية عن الذكاء الانفعالي والوجداني انطلقت عام 1990 حيث بدأت المؤسسات التعليمية تهتم بتعليم مهارات الذكاء الانفعالي ودمجها في برامجها التعليمية المقدمة للطلبة.





ألمحت العجمي إلى أن البرنامج يؤتي ثماره ويحقق أهدافه بشكل أفضل إن استعدت المعلمات أكثر للسماح للأطفال بالحديث والتعبير وتقديم أفكارهم بحرية مشددة على أنه من المهم أن يتعلّم الطلبة أن بإمكانهم أن يوّلدوا أفكارهم وحلولهم الذاتية والشخصية بدلا من أن يمليها عليهم الآخرون.





ذكرت د.أحلام العجمي أن البرنامج يهتم بقيم التعاون وتقديم يد المساعدة ويشجع الأطفال على مساعدة بعضهم بعضا واقتراح حلول وبدائل مختلفة معتبرة أن تشجيع الأطفال على طلب المساعدة عند الحاجة وقبولها مهارة وخطوة مهمة جدا في تحقيق أهداف البرنامج في التكيف والتعامل بنجاح.